من رأى منكم الشيخ السلفى أبوأنس، وهو يتحدث متشنجاً فى الفيديو ومهدداً بحرق كنائس إمبابة، لابد أن يسأل نفسه سؤالاً مباشراً وصريحاً، وهو: هل هناك مرجعية لمثل هذه الكراهية؟ الإجابة التى تمثل مشكلة حقيقية هى أنه بالفعل توجد مرجعية لهم، وهناك نصوص يستندون إليها فى الهجوم، ومبررات من كتب فقهية يستندون إليها فى الكراهية والعداء، لكن المهم أن نفصل بين النصوص نفسها وفهم هذه النصوص وملابساتها ومناسباتها وتأويلاتها.. إلخ.

ولذلك كان لابد من أن نطرح، وبصراحة، تلك المفاهيم والنصوص التى يستندون إليها، على رجل مستنير متفقه فى علوم الدين ومنفتح على ثقافات العالم، مثل د. سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن، وقد شجعتنى على ذلك رسالة وصلتنى من أحد شباب السلفيين اسمه تامر السيد، بعنوان «لماذا أكره النصارى؟»، من الممكن، بل من الطبيعى ألا يكون هذا الشاب معبراً عن الجميع ولكنه بالقطع يعبر عن تيار وهابى ضخم بدأ يغزو العقول من سلفيين وغيرهم، ومن مثقفين وأميين، ومن رجال ونساء، عرض الشاب فى رسالته معظم النقاط التى يستند إليها معظم من أشعلوا نار الفتنة الطائفية منذ السبعينيات حتى الآن،

وكنت متحرجاً من عرض هذه الرسالة التى تحدانى صاحبها فى أن أعرضها على شيخ أزهرى من شدة إفحامها من وجهة نظره، لكنى تخلصت من هذا الحرج وقبلت التحدى ليس من قبيل الاستفزاز، ولكن من قبيل تنظيف الجرح والخراج بدلاً من تركه يلتئم على صديد وقيح، فينتهى بغرغرينا وتعفن تنتهى بوفاة جسد الوطن كله.

عرضت الرسالة على د. سعد هلالى، ووصلنى الرد، وسأحاول عرض وجهة نظر الشاب السلفى ورد د. هلالى عليه. يقول صاحب الرسالة: «النصارى دينهم باطل ويستشهد بآيات أن الدين عند الله الإسلام.. وآية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)..

ولأنهم يؤمنون بصلب المسيح... إلخ»، يرد د. هلالى قائلاً: «بطلان عقائد غير المسلمين مسألة تختلف فيها الرؤى الإنسانية بدليل وجود أتباع كثيرين لكل عقيدة، ولا شك أن هؤلاء الأتباع لهم عقول وأفهام بشرية اختارت طريقها، ربما لحسن عرض الدعاة،

وربما لأسباب أخرى، وقد رأينا عدد المسلمين على الثلث من عدد المسيحيين فى العالم، والمؤكد أن كل صاحب عقيدة يعتز بعقيدته ويرفض تسفيه غيره لها، وقد سماها القرآن دينا فقال «لكم دينكم ولى دين»، وقال: «لا إكراه فى الدين»، ومن الطبيعى أن يعتقد كل صاحب عقيدة بطلان ما عداها من عقائد أخرى،

وهذا لا عيب فيه، إنما العيب فى إعلان حرب العقائد ولو بالحرب الكلامية، قال تعالى: «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم»، إن المسلم لا يملك على غيره فى العقيدة إلا أن يحترم العقيدة المخالفة لصاحبها تكريما للإنسان كما قال تعالى: «ولقد كرمنا بنى آدم»، وعليه أن يكتفى ببيان أوجه محاسن عقيدته دون إهانة الغير، كما قال تعالى: «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

ولكن ما معنى كلمة الكفر؟ سنوضحها فى المقال القادم بإذن الله.